حرصًا منه على تحقيق الريادة في تسوية المنازعات التجارية، وبهدف رفع الجودة في مستوى الخدمة المقدمة إلى أطراف القضايا؛ أطلق المركز السعودي للتحكيم التجاري خدمة التوقيع الرقمي، التي تسمح للأطراف بالتوقيع إلكترونيًّا على ما يلزم من مستندات تصدر خلال رحلة تسوية النزاع، دون حاجة إلى توقيعها ورقيًّا؛ في خطوة تعكس التزام المركز بتبَنّي أفضل الحلول الرقمية في إدارة قضاياه، مع مراعاة الأصول القانونية والأُطُر التنظيمية الواجب اتباعها في هذا الجانب.
ويأتي هذا الإطلاق في سابقة فريدة من نوعها على مستوى مراكز التحكيم الدولية، في تقديم هذا النوع من الخدمات إلى أطراف القضايا، وفي الوقت الذي تواصل فيه الجهات الدولية ذات العلاقة، كلجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي "الأونسيترال"؛ سعيها الحثيث لتعزيز الاعتراف الدولي بأحكام التحكيم الإلكترونية وتنفيذها.
ومن شأن تقديم خدمة التوقيع الرقمي تجاوُز حواجز المكان، وتسهيل استفادة أصحاب الأعمال من خدمات المركز مهما تباعدت مواقعهم الجغرافية، وتيسير وصول أطراف القضايا إلى العدالة الناجزة في أي مكان كانت إقامتهم؛ في خطوة تتناغم مع دولية المركز، الذي بات يستقبل قضاياه من 29 دولة، ومن شأنها تبسيط الإجراءات واختصارها، وتقليص مدة توقيع المستندات وتسليمها، بنسبة تراوح بين 60 و80 بالمائة، وعلى نحو لا يخل بمصداقية التوقيع وسلامته القانونية.
وتشمل هذه الخدمة التوقيع على أحكام التحكيم، والأوامر الإجرائية، وتعيين المحَكَّمين والوسطاء، واتفاقات الأطراف، وغيرها من المستندات القانونية التي ترافق أطراف القضايا وممثليهم خلال رحلة تسوية النزاع. وبموجبها، سيكون التوقيع على أحكام التحكيم إلكترونيًّا دون أصول ورقية، ما لم يتفق الأطراف، أو يقتضي القانون المنطبق على التحكيم خلاف ذلك. وستتضمن المستندات الـمُوَقّعة شهادة توثق هوية الـمُوَقّع، وجهة إصدار الشهادة، ووقت التوقيع، وما يضمن سلامة المستند من أي تعديل بعد التوقيع عليه.
وتعتمد الخدمة في تشغيلها على بنية المفاتيح العمومية (Public Key Infrastructure) للتحقق من هوية الـمُوَقِّع، وعلى إحدى الحلول الرقمية، الـمُرَخَّصة من قبل هيئة الحكومة الرقمية، الجهة المعنية بترخيص خدمات الثقة والهوية الرقمية في المملكة العربية السعودية.
وهي متوافقة تكنولوجيًّا مع البروتوكولات الدولية ذات الصلة، والمعيار الدولي لإدارة أمن المعلومات (ISO/IEC 27001)؛ ومع الاشتراطات التي تنص عليها التنظيمات السعودية ذات الصلة، كنظام التجارة الإلكترونية، ومعايير المركز الوطني للتصديق الرقمي.
أما تنظيميًّا، فتتكامل الخدمة مع الإطار القانوني الدولي القائم، كـ "قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية (1996)"، القائم على مبدأ عدم التمييز بين المعاملات الإلكترونية والمعاملات الورقية، ومبدأ التكافؤ الوظيفي الذي يعطي السجلات الإلكترونية ذات الأثر القانوني لنظيرتها الورقية.
وتعزز "اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية (نيويورك، 2005)"، التي انضمت إليها السعودية في عام 2007، الإطار القانوني لاستخدام الوسائل الإلكترونية؛ إذ توسع الاتفاقية من نطاق سريانها ليشمل اتفاقيات دولية أخرى، كاتفاقية الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها (نيويورك، 1958).
ويأتي إطلاق خدمة التوقيع الرقمي ضمن سعي المركز إلى إحداث تحول رقمي شامل في رحلة إدارة القضايا لديه، بدءًا من فتح القضية، حتى إصدار الحكم. ويأتي هذا السعي انطلاقًا من إطاره التنظيمي، ممثلًا بقواعد التحكيم لديه، التي وردت مفردة "إلكتروني" بتصريفاتها المتعددة 12 مرة في مواد مختلفة من القواعد، ومنها المادة الـ36 التي تجعل من التوقيع الإلكتروني على أحكام التحكيم إجراء مفترضًا، ما لم يتفق الأطراف، أو يقتضي القانون المنطبق على التحكيم خلاف ذلك.
ويتكامل هذا الإطار التنظيمي مع الإطار الإجرائي الإلكتروني الذي يقدمه المركز لأطراف قضاياه، لا سيما نظام إدارة القضايا، الذي انتهى المركز من تطويره أخيرًا، وهو نظام شامل لإدارة القضايا، رَقْمَن المركز به عشر خدمات لتسوية منازعات قطاعات الأعمال.
كما يأتي إطلاق الخدمة في إطار بيئة ممَكّنة للرَّقْمَنة في السعودية، التي باتت تقدم 97 بالمائة من خدماتها الحكومية رقميًّا، وبلغ مستوى الرقمنة في خدماتها العدلية 87 بالمائة؛ وفي ظل حصول المملكة على المركز الأول عالميًّا في "مؤشر تنمية الاتصالات والتقنية" الصادر عن "الاتحاد الدولي للاتصالات" لعام 2025.
تعليقًا على هذا الإطلاق، قال سعادة رئيس مجلس إدارة المركز السعودي للتحكيم التجاري، الدكتور وليد بن سليمان أبانمي: "يضع المركز نَصْب عينيه تحقيق التميز التشغيلي في إدارة قضاياه، وتقديم تجربة مثالية لأطراف القضايا، وهو ما تسهم خدمة التوقيع الرقمي في تحقيقه، التي تختصر الوقت، وتخفض التكلفة، وتسَرّع من الوصول إلى العدالة الناجزة."
من جانبه، قال سعادة الرئيس التنفيذي للمركز، الدكتور حامد بن حسن ميرة: "إن المركز يعتمد الرقمنة موجهًا استراتيجيًّا في خدمة أطراف قضاياه، داخل السعودية وخارجها، حرصًا منه على تحقيق الريادة بين مؤسسات الصناعة محليًّا ودوليًّا، ودمج الابتكار بأفضل الممارسات؛ التزامًا منه بالتفوق على توقعات المستفيدين من خدمات المركز، وتقديم قيمة فريدة يُعَوّل عليها."
١٠ أبريل ٢٠٢٥